السيرة الذاتية ... وتداخلها مع الرواية:
يقف الباحث أمام مفهوم (السيرة الذاتية) Autobiography كمدخل رئيسي لـ (رواية السيرة الذاتية) Autobiography Novel لاعتبارين:
أولهما: إن إشكالية الاهتداء إلى تعريف (جامع مانع) بلغة المنطق، يمكن من خلاله معرفة الأنواع الأدبية، أو على الأقل تمييزها، ليتسنى من خلال التعريف إدراج (أي عمل أدبي) تحت النوع الذي يمثله، هي مشكلة لم يحسمها النقد بعد.
والسبب راجع- أساسًا- إلى طبيعة (الحد) التي يعتبرها "فيليب لوجون"مشكلة، بل إنها من أشد المشاكل تعقيدًا، والتي يوشك أن ينفرد بها "أدب الترجمة الذاتية" دون سواه من الأجناس الأدبية الأخرى، التي- على العكس- عرفت قدرًا من الاستقرار النسبي فيما يتصل بتعريف المصطلح المحدد لهويتها النوعية.
أما الاعتبار الثاني: فيتمثل في أن معظم النقاد والباحثين، الذين تناولوا الأعمال الروائية الأولى في أعقاب "رواية الترجمة الذاتية" ربطوا بين تشكيل الرواية الفنية والسيرة الذاتية، بل منهم من يذهب بعيدًا، على نحو ما ذهب "الدكتور أحمد درويش" الذي يعترف بأن "السيرة الذاتية لعبت دورًا مهمًا في إنعاكش الرواية العربية، منذ رواية "علم الدين" لـ "علي مبارك"، وصولًا إلى "أصداء السيرة الذاتية" لـ "نجيب محفوظ". ولم يقتصر الأمر على الربط بين (السيرة الذاتية والرواية) عند "أحمد درويش" في كون الأولى حافزًا للثانية، بل يصل إلى ذروته- في إصرار عجيب- من خلال الجمع بين النوعين في إطار نوع واحد، فيرى أن "السيرة الذاتية والرواية، وكأنهما جنس واحد"(53).
ومرجع هذا التداخل في المفاهيم بين الأنواع المختلفة، وإن كانت هناك قواسم مشتركة، راجع إلى (ميوعة الحد) أو لأن الحد كما يرى "ياسين النصير" خاصة في الأدب "يكتسب معنى مرنًا"،
فالحدود بين الأنواع غير فاصلة، بل تسمح بدخول أنواع معها أو على الأقل تتآخم مع حدودها عبر دائرة النوع دون وجود حواجز أو فواصل تمنع الامتزاج أو الاختلاط. وهذا ما يجعل البعض ينسب الرواية إلى السيرة أو العكس. وهو ما يشير في الوقت ذاته في افتقاد العناصر المميزة للنوع الواحد، الذي يمكن من خلالها أن يوصف بها النوع، وتمنع في الوقت ذاته دخول أنواع أخرى، قريبة منها.
المصدر:
ممدوح فراج النابي (2010).تداخل الأنواع الأدبية وتوالد السرد (رواية السيرة الذاتية نموذجًا)